اِضطِراب فرْط الحرَكة وتشتُّتِ الانْتباه

دعْوة لِلْفهْم وتقْدِيم الدَّعْم لِلْمصابين

يمرَّ الأطْفال بِأوْقَات كثيرة يخْرج فِيهَا سُلوكَهم عن السَّيْطرة والتَّحكُّم مِن قِبل الوالديْنِ فتكون حركتهم سريعة ويرْفضون اِنتِظار دوْرهم فِي اللَّعب ولَا يسْتطيعون إِنهَاء نشاط قد بدوْا فِي القيَام بِه . ويتسَبَّب مِثْل هذَا النَّوْع مِن السُّلوك العارض بِانْزعاج مِن يقوم بِرعايتهم . لَكن بِالنِّسْبة لِبعْض الأطْفال تعد مِثْل هذه السُّلوكيَّات لَيْستْ مُجرَّد مُشْكلة عابرة حيْث يُعاني هؤلاء الأطْفال وهم المصابون بِاضْطراب فرْط الحرَكة وتشتُّتِ الانْتباه مِن مشاكل سُلوكِيَّة مُتكرِّرة وعالِية الشِّدَّة وهي تتعارض مع قُدْرتِهم على عيْش حياة طبيعِيَّة .

ووفْقًا لِلْمسْح الوطَنيِّ لِلاضْطرابات النَّفْسيَّة الأكْثر شُيوعًا فِي الممْلكة تَمركُز اِضطِراب فرْط الحرَكة وتشتُّتِ الانْتباه فِي المرْتبة الثَّانية بعْد اِضطِراب قلق الانْفصال وذلك فِي قائمة الاضْطرابات النَّفْسيَّة الأكْثر شُيوعًا خِلال مراحل حياة الفرْد وبمعَدَّل اِنتِشار يُقدَّر ب (8.0%).

ويشير خبير الأبْحاث فِي مجال اِضطِراب فرْط الحرَكة وتشتُّتِ الانْتباه الدُّكْتور راسْل بارْكِلي إِلى أنَّ مَا يُقارب ( 90%) مِن البالغين المصابين بِاضْطراب فرْط الحرَكة وتشتُّتِ الانْتباه يكونون غيْر مُشخِّصِين فِي طُفولتهم بِهذَا الاضْطراب . أنَّ تَشتُّت الانْتباه المسْتمرِّ وعدم القدْرة على الضَّبْط الانْفعاليِّ وصعوبة تَذكُّر الأشْياء مِن السِّمَات المميَّزة لِاضْطراب فرْط الحرَكة وتشتُّتِ الانْتباه وهو اِضطِراب نمائي عصبيٍّ . حيْث يُؤثِّر هذَا الاضْطراب على جميع جوانب حياة الطِّفْل المصَاب والَّتي تشْمل : -


  • الصُّعوبات الأكاديميَّة.

  • ضعْف المهارات الاجْتماعيَّة.

  • توتُّر العلاقات بيْن الوالديْنِ والطِّفْل المصَاب.


حيْث إِنَّ الأطْفال المصابين بِهذَا الاضْطراب هُم فِي خطر لِلْأثر السَّلْبيِّ وذلك على المدى البعَيْد فِي حالٍ لَم يتم اِكتِشاف هذَا الاضْطراب فِي عُمْر مُبكِّرٍ والْحصول على التَّشْخيص وتلقِّي العلَاج المناسب ومتابعة حالتِهم على فترات زمنيَّة . حيْث أَوضَحت العدِيد مِن الدِّراسات أنَّ عِلاج اِضطِراب فرْط الحرَكة وتشتُّتِ الانْتباه مِن مرْحلة الطُّفولة يُؤدِّي إِلى تَحسُّن الأدَاء الاجْتماعيِّ والنَّفْسيِّ لَدى المصَاب فِي فتْرة البلوغ . ويساهم فِي التَّقْليل مِن عِبْء وُجود اِضطِراب فرْط الحرَكة وتشتُّتِ الانْتباه غيْر المعالج على المصَاب فِي مرْحلة البلوغ .

وتتغَيَّر التَّأْثيرات السَّلْبيَّة النَّاتجة عن وُجود الاضْطراب مِن مرْحلة مَا قبْل المدْرسة إِلى مرْحلة المدْرسة ومن مرْحلة المراهقة إِلى مرْحلة البلوغ، ففي مرْحلة مَا قبْل المدْرسة نتحدَّث هُنَا عن :


  • تَشتُّت الانْتباه المسْتمرِّ

  • وُجود مُسْتوى ملْحوظ مِن النَّشَاط العالي لَدى الطِّفْل المصَاب.

  • وجود الانْدفاعيَّة فِي سُلوكه .


ولذَا فإنَّ مُسْتوًى عالي مِن الإشْراف المباشر على الطِّفْل المصَاب فِي هذَا المرْحلة هُو التَّدَخُّل الأفْضل . وفي مرْحلة دُخول المدْرسة يتمُّ مُلاحَظة التَّعَثُّر الأكاديميِّ، رفض الأقْران لَه ووجود تَقدِير ذات مُنْخفض لَدى الطِّفْل المصَاب. وتظْهر فِي هذه المرْحلة أيْضًا مُشْكلَات نوْعيَّة مِثْل وُجود صُعوبَات التَّعَلُّم وفي موادَّ دِراسِيَّة مُحدَّدة كالرِّياضيَّات على سبيل المثَال . أمَّا فِي فتْرة المراهقة فإنَّ مُسْتوى النَّشَاط الزَّائد والَّذي كان مُلْفت لِلنَّظر فِي مرْحلة مَا قبْل المدْرسة يقلُّ فِي هذه المرْحلة، ولكنَّ تَشتُّت الانْتباه المسْتمرِّ والانْدفاعيَّة وعدم الاسْتقْرار النَّفْسيِّ الدَّاخليِّ تظلُّ صُعوبَات أَساسِية فِي هذه المرْحلة .

وفي مرْحلة البلوغ أشارتْ العدِيد مِن الدِّراسات إِلى أنَّ الاضْطراب اِستمَر بعْد سِنِّ البلوغ فِي الثُّلْث إِلى ثلاثة أَربَاع الحالات . وتشير الدِّراسات أيْضًا إِلى أنَّ (60%) مِن المصابين بِهذَا الاضْطراب لَا يزالون يُعانون مِن بعْض الصُّعوبات النَّوْعيَّة فِي حياتِهم ففي الحيَاة العمليَّة على سبيل المثَال هُم هُنَا أكْثر عُرْضة لِلْفصْل مِن العمل وغالِبًا مَا ينْتقلون بيْن عدد مِن الوظائف وفي فتْرة قصيرة إِلى أن يجدوا الوظيفة المناسبة. وأيْضًا يُواجهون صُعوبَات شخْصيَّة مع رُؤسائهم فِي العمل ومع زُملائهم . 

أمَّا فِي حياتِهم الزَّوْجيَّة فإنَّ مِن أهمِّ التَّحدِّيات الَّتي تُواجههم فِي علاقتهم مع شُركاء حياتِهم هُو وُجود ( الغضب ) حيْث ينْمو الغضب وبشكْل خفيٍّ فِي العلاقة لَدى الطَّرف الآخر، فقد يكون مِن الصَّعْب التَّواصل مع الطَّرف الآخر عِنْدمَا لَا يفْهم الكيْفيَّة الَّتي تظْهر بِهَا أَعرَاض الاضْطراب على الشَّرِيك المصَاب . فقْد يشْعر بِالْإحْباط والتَّجاهل خاصَّة عِنْدمَا يتشتَّتُ اِنتِباه الشَّرِيك المصَاب بِسهولة أو عِنْدمَا لَا ينْتظم أو لَا يُكْمل الأعْمال المنْزليَّة والَّتي تكون جُزْء مِن مسْؤوليَّاته أو ينْسى التَّواريخ والْمواعيد المهِمَّة بيْنهم وبشكْل مُسْتمرٍّ. واسْتمْرار هذَا الأمْر دُون حلٍّ يجْعل الطَّرف الآخر أكْثر عُرْضة لِلْغضب والشُّعور بِالْإحْباط والَّتي يُمْكن أن تنْعكس بِشكْل مُباشر على العلاقة الزَّوْجيَّة. أَمَّا الطَّرف اَلمُصاب فقد يَشعُر بِانْخفاض تَقدِير الذَّات وَالذِي يدْفعه لِيكوِّن أَكثَر اِنْدفاعيَّة فِي سُلوكه مع اَلشرِيك الغيْر مُصَاب. ووفْقًا لِبعْض الأدِلَّة البحْثيَّة يُؤدِّي اِسْتمْرار هذَا الأمْر إِلى الكدر الزَّواجي والَّذي يجْعلهم وبمَا يُعادل الضَّعْف أكْثر عُرْضة لِحدوث الطَّلَاق. وفي مُعْظم الأحْيان لَا يكون لَديْهم الوعْي الكافي بِأنَّ جُزْء رئيسيٍّ مِن هذه الصُّعوبات الَّتي يُعانون مِنْهَا فِي حياتِهم الزَّوْجيَّة يعود إِلى أنَّ أحد الزَّوْجيْنِ يُعاني مِن هذَا الاضْطراب وهذَا كمَا وثقته الدِّراسات الَّتي أُجرِيت على البالغين المصابين بِاضْطراب فرْط الحرَكة وتشتُّتِ الانْتباه بِأنَّهم يُعانون مِن صُعوبَات أكْثر مُقارَنة بِغيْر المصابين حيْث وفْقًا لِدراسة اِسْتطْلاعيَّة بحثْتُ عن المشْكلات الزَّوْجيَّة وشملتْ (80) مِن الأزْواج حيْث أحد الزَّوْجيْنِ فِي العيِّنة مُصاب بِهذَا الاضْطراب وأظْهر هذَا الشَّرِيك المصَاب بِأنَّ لَديْه مشاكل مِن حيْث : - أنَّه غيْر مُنْدمج تمامًا فِي هذه العلاقة وأشار إِلى وُجود التَّأْثير السَّلْبيِّ نتيجة لِهذَا الاضْطراب والَّذي اِنعكَس على جوْدة الحيَاة الزَّوْجيَّة .


وأشارتْ دِراسة حديثة بحثْتُ عن أَنمَاط التَّواصل وجوْدة العلاقة بيْن الأزْواج بيْن مجْموعتيْنِ : المجْموعة الأولى أحد الشُّركاء مُصاب بِالاضْطراب والْمجْموعة الأخْرى هِي المجْموعة الضَّابطة وأظْهَرتْ النَّتائج أنَّ مجْموعة الأزْواج الَّتي يكون أحد الشُّركاء فِيهَا مُصاب أبْلغوا عن رِضًى أقلَّ وكان سُلوكهم لِحلِّ المشْكلات الَّتي تحْدث فِي حياتِهم الزَّوْجيَّة أقلَّ إِيجابيَّة وفاعليَّة مُقارَنة بِالْأزْواج فِي المجْموعة الضَّابطة ولذَا يُوصى بِجلسَات الإرْشاد الزَّواجي مع مُعالج خبير ومتخَصِّص لِلْمقْبلين على الزَّوَاج مِن المصابين بِاضْطراب فرْط الحرَكة وتشتُّتِ الانْتباه . 


خِتامًا أنَّ العلَاج النَّاجح والْفعَّال لِاضْطراب فرْط الحرَكة وتشتُّتِ الانْتباه هُو العلَاج مُتعدِّد الجوانب والَّذي يتضمَّن : الثَّقافة المعْرفيَّة عن الاضْطراب وأعْراضه لِلْمصَاب ولأسْرته، والْعلاج الدَّوائيُّ، العلَاج السُّلوكيُّ، والعلَاج التَّرْبويُّ والاجْتماعيُّ . حيْث تهْدف العلاجات الدَّوائيَّة والْعلاج السُّلوكيُّ إِلى مُساعَدة المصَاب بِاضْطراب فرْط الحرَكة وتشتُّتِ الانْتباه والسَّماح لَه بِتحْقِيق أقْصى إِمْكانيَّاته مع الحدِّ مِن حُدوث الآثَار السَّلْبيَّة لِهذَا الاضْطراب على حياته . والَّذي ينْعكس على حُصول تَأثِير إِيجابيٍّ ملْموس مِمَّن هُم حوْله وعلى جوْدة حياته بِشكْل عامٍّ وذلك على المدى البعَيْد .

أ-تغريد القضيبي

د-ميساء البريك



Agarwal, R., Goldenberg, M., Perry, R., & Ishak, W. W. (2012). The quality of life of adults with attention deficit hyperactivity disorder: a systematic review. Innovations in clinical neuroscience, 9(5-6), 10.‏

AlTwaijri, Y., Al-Subaie, A., & Al-Habeeb, A. (2019). Saudi National Mental Health Survey Technical Report.Riyadh: king salman center for disability research.

American Academy of Pediatrics (2019). Understanding ADHD: Information for Parents. Retrieved from: Understanding ADHD: Information for Parents - HealthyChildren.org

Barkley, R. A. (Ed.). (2015). Attention-deficit hyperactivity disorder: A handbook for diagnosis and treatment (4th ed.). The Guilford Press.

Child Mind Institute (2021). ADHD.Retrieved fromhttps://childmind.org/topics/adhd-attention-problems/

Harpin, V. A. (2005). The effect of ADHD on the life of an individual, their family, and community from preschool to adult life. Archives of disease in childhood, 90(suppl 1), i2-i7.‏

Orlov, M. (2013). The Pain of Undiagnosed ADHD in Adult Relationships.Retrieved from:https://www.goodtherapy.org/blog/undiagnosed-adhd-couples-therapy-0107137

Saudi ADHD Society (2022). treatment. Retrieved from: https://adhd.org.sa/en/adhd/treatment/

Wymbs, B. T., Canu, W. H., Sacchetti, G. M., & Ranson, L. M. (2021). Adult ADHD and romantic relationships: What we know and what we can do to help. JOURNAL OF MARITAL AND FAMILY THERAPY. https://doi-org.sdl.idm.oclc.org/10.1111/jmft.12475