كاتبة هذه المقالة دكتورة ليزا فايرستون هي باحثة نفسية في مجال العنف الانتحار،المشاكل الزوجية والتربية ومهتمة بالكتابة وقراءة الأبحاث النفسية حيال الصوت الداخلي الناقد وتأثيره على تصرفاتنا ومشاعرنا السلبية.



ترجمة : مرام الراشد

مراجعة فريق إمعان

لا بأس أن تشعر بمشاعر سلبية تجاه بعض المواقف في حياتك ولكن ما أهمية ذلك؟


كلنا بشر، وكلنا نتصف بعدم الكمال، والطريقة التي ننمو بها عاطفياً ولو بشكل جزئي تتم من خلال الاعتراف بشعورنا عندما نتصرف بشكل سيء.. مثل المشاعر المصاحبة للألم والحزن والأذى، وحتى الغضب أحيانا تجاه أنفسنا.

كل المشاعر تزودنا بالمعلومات. ونحتاج لأن نشعر ونجرب الشعور السلبي تجاه مالا يرضينا من التصرفات، كي نستطيع أن نخلق التغيير وبالتالي نطور من أنفسنا.

على سبيل المثال..  من الضروري أن نشعر بالسوء عندما نفعل سلوكيات قد تجرح شخصاً أخر أو تجرح أنفسنا. وبالرغم من ذلك نجد اننا نعيش في مجتمعات تُقدس عادة تجنب المسؤولية الذاتية وتجنب المشاعر السلبية لأي تكلفة كانت. أتذكر جيداً ذلك العشاء في ليلة ماضية، عندما شاركنا رجل انفصل حديثاً عن زوجته ردة فعل معالجته النفسية عندما طلب منها دواء ليُسكن الألم النفسي الذي يشعر به.. كان رد المعالجة كالتالي:

هناك بعض الأمور التي يجب عليك أن تشعر بالسوء تجاهها، وهذه إحداها

يسألني بعض المراجعين أحيانا عن وسيلة للتجاوز والابتعاد وتخطي ألم المشاعر السلبية من جراء جرح أنفسهم أو جرح الأخرين. لذلك أصبحت متعلقة جداً بمقولة "الطريقة المناسبة للتعامل مع المشاعر السلبية هي بخوضها وليس بتجاوزها".

 كبت وتجنب المشاعر ليس له فائدة تستحق أن تذكر. ولكن من خلال تجربة الشعور السلبي وبالأخص بعد تصرف سيء، نستطيع أن نعرف أساليب وسياق الافعال التي لا تتوافق مع قيمنا وما نؤمن به. وهذه الخطوة الأولى لأن تصبح شخص ذو نزاهة وصدق تجاه نفسه والأخرين وبالتالي الوصول لدرجة الصدق الكافية التي تسمح لك بالتعاطف مع الذات بغض النظر عما تشعر به.

لكي نكون واضحين.. فإنني هنا في هذا السياق لا أقترح بالتأكيد أن نستمر بالتفكير سلبياً عن أنفسنا وجلدها، ولكن بدلاً عن ذلك أن نشعر بمشاعرنا ونطور أنفسنا. العديد منا يجد صعوبة في أن يخطو تلك الخطوة الصريحة مع نفسه دون أن يسقط ضحية للعين الناقدة. 

إلا أنه دون النظر لأنفسنا وللانعكاس الذاتي حول تصرفاتنا واستجاباتنا العاطفية..


كيف يمكننا أن نتعلم من اخطائنا ونتطور من الداخل؟

عندما نؤذي شخص ما بأي طريقة كانت علينا أن نتحمل مسؤولية الفعل كي نجد سبل جديدة للتصالح مع الذات. هنا بعض الوسائل التي تمنحك القوة للتعامل مع المصاعب دون أن تتعثر بكره الذات أو نقدها.


  • كن منفتحاً وغير دفاعي:

    من المفيد أن نتبنى طبع ذاتي يتمتع بالانعكاس على النفس والفضول تجاهها وهو جُل ما نحتاجه عندما نندم على تصرف معين. فهو يعيننا على البحث في المشاعر بدلاً من تجنبها وتجاهل المعلومات المرتبطة بها. يمكننا أن نسأل أنفسنا حينها.


ما هو السلوك الذي يتعارض معنا وما هو أثره علينا وعلى الأخرين؟

 

علينا أن نحاول معاملة أنفسنا بتعاطف ورحمة، بذات الطريقة التي نعامل بها صديق عزيز قد يبحث عن حل لمشكلة أو يرغب في تغيير حقيقي وجاد في نفسه. 

لا تنسى أن اغلبنا نواجه تصرفاتنا بصدق، ولكننا في المقابل قد نمتلك العديد من الصفات السيئة التي تولدت نتيجة للطرق التي نتخذها لحماية أنفسنا والدفاع عنها منذ الصغر كسلوك دفاعي تلقائي. وهذه القدرة على التعلم متداخلة مع قوة التغيير مما يعني أنها تحت سيطرتنا نحن منذ البداية، ولكي نحقق ذلك علينا ان نفهم أولا ونعترف بوجود المشاعر السلبية. النظرة الذاتية حيال السلوكيات المدمرة يمكنها أن تزيد من عمق وعينا لما أصبحنا عليه الان. وأيضا الأهم من ذلك بإمكانها أن تقودنا الى الكثير الذكريات المرتبطة بهذه المشاعر والاحداث والطريقة التي تكونت بها وسائل الدفاع.

 

  • اشعر بمشاعرك:

    عندما نتصرف بطريقة تحبطنا، علينا ان نذّكر أنفسنا بأنه لا بأس من الشعور بأي مشاعر تظهر على السطح. لن نستطيع أن نتجاوز بمجرد تخيل أن الامر انتهى او لم يحدث أو عن طريق تخدير مشاعرنا. اذا تركنا مساحة لكي نشعر بالحزن أو الأسى مثلاً سنتعلم كيف نتحمل هذه المشاعر وننمو بها بدلاً من التطرف الى إما التجاهل التام أو الانغماس بها والاستسلام لحالة من التدمير. 

    الشعور بالألم من إساءة التعامل تجاه شخص نهتم لأجله أو تخريب شي نحبه، هو مواجهة صادقة تدعونا للشعور بمشاعر مهمة مثل التعاطف والدافعية للتغيير. كما أنها تسمح لمشاعر أخرى أن تتبعها كإشارات توضيحية لما حدث منذ البداية. يمكننا استيعاب أن شعور الحزن، او الخوف، او الغضب، او العار استثير بداخل أنفسنا مما دفعنا لفقدان السيطرة او التصرف بطريقة لم تكن في صالحنا. تقبل هذه المشاعر والسماح لها بأن تمضي من خلالنا هو جانب أساسي من النمو.

 

  • ابق ذاتك الناقدة تحت المراقبة:

    من السعي لفهم الذات هو مواجهة جوانب القصور في أنفسنا وتجربة مشاعرنا بكل ما تحمله. وهذا يختلف تماما عن الاستسلام لتنمر ذلك العدو الداخلي المدمر والسماح له بأن يضعنا في حالة من كره الذات. كره الذات لا يقود الى التغيير أو أي شيء بناء لصالحنا. وفي الواقع كل منا لديه عيوب والاختبار الحقيقي للنفس هو قرار اتخاذ المسؤولية تجاه سلوكياتنا وتأثيرها على أنفسنا والأخرين وكيف نصل في النهاية.. للهوية الذاتية التي نطمح إليها.

    وبمجرد ملاحظة توارد هذه الأفكار القاسية تجاه الذات علينا ملاحظة اننا نتجه الى السبيل الخاطئ. الأفكار التي تهدف فقط للإحباط وتحطيم الهمة هي بالتأكيد إشارة الى اننا ننصت للصوت الناقد بصورة متزايدة. وعوضاً عن ذلك علينا أن نحافظ على حوار داخلي يشابه في عباراته اسلوبنا الحواري مع صديق. وبالتالي نستطيع ان نتقبل الحديث البناء الصادق بينما نظهر تعاطفنا تجاه أنفسنا.

 

  • تمرن على التعاطف الذاتي:

    ان تكون صادقاً مع نفسك ليس بالضرورة معناه القسوة مع الذات وإسقاطها في وحل من الانتقادات لتثبت ذلك. على عكس التقدير الذاتي، التعاطف الذاتي لا يرتبط بتقييم النفس وقدراتها. ولكن هو يدور حول تبني وسيلة لطيفة للتعامل مع النفس.. بطريقة نلاحظ فيها بوعي أفكارنا ومشاعرنا في إشارة واضحة لقبول طبيعتنا البشرية. نحن بحاجة للتعاطف الذاتي وخصوصاً عندما نسلط عين المجهر على الداخل لان التعاطف يعيننا على الا نكون ضحية لفخ الأفكار المدمرة، بينما نبقى منفتحين لملاحظة أي فرصة للتحسين. عندما نكون بجانب أنفسنا مع عدم نسيان العيوب التي تكوّن انسانيتنا.. حينها نستطيع ان نٌبقي هذا الفضول متيقظ ومنفتح لاي تغيير في المستقبل.

 

  • تجنب الاجترار:

    مهما حدث ومهما واجهته من مصاعب، الاجترار لا يسهل الطريق الى الحل بل على الأحرى سيجعل الامر يبدو أكثر سوءاً. إذا لاحظنا أنفسنا عالقين في فكرة سلبية تجاه أنفسنا أو انجرفنا لعرض اخطائنا بشكل متكرر فهذا معناه حان وقت تجاوز الامر وتخطيه. هدفنا ليس إقامة دعوى قضائية تجاه أنفسنا حول مدى فظاعه أنفسنا. وانما هي دعوة لانعكاس ذاتي صادق. اسمح لأي شعور كان بأن يظهر وصمم قائمة بتصرفات مختلفة في المستقبل.

 

  • اطرح الأسئلة وانصت الى الإجابات:

    عندما نؤذي شخص اخر من المهم أن ندعوهم لمشاركة وجهة نظرهم ونحاول تفهم تجربتهم الخاصة. علينا أن نحاول طرح هذه الأسئلة والانصات لما يليها من إجابات دون مقاطعة أو معارضة أو دفاع. عندما يشارك الاخر جانبه من القصة علينا أن ننصت باهتمام حتى نستطيع أن نتصور تجربة الاخر الكاملة. وحينما يتحقق ذلك نستطيع أن نتواصل بفعالية ونعبر عن أفكارنا عما حدث بوضوح أكبر. 

    تعلُم كيف نكون صادقين مع أنفسنا حول سلوكياتنا السلبية هي من أكثر الأمور التي تستدعي الكثير من الصبر والتعاطف الذاتي. مواجهة المشاعر السلبية التي تظهر خلال هذه العملية هي جزء مهم من الوعي. كلما استطعنا تقبل تجربة التعلم كلما تشجعنا على التطور والتغير الذاتي. يمكننا أيضا أن نفهم من خلال التصرف بوعي.. العديد من الأمور مثل: لماذا قد نستخدم دفاعات نفسية معينة وكيف نتصرف بطرق قد تحد من حياتنا بصورة سلبية. وهنا فقط عند لحظة الوعي والاستيعاب يتشجع المرء للتعبير عن مشاعره ورغباته بوضوح وانسجام عالي من داخل النفس وخارجها.

رسالة إمعان:

قد تصاب بالفتور وتتضائل حجم قوتك في عينيك بسبب مصاعب أو ضغوطات.. كن واعياً وتذكر أن تنصف نفسك ولا تحكم عليها بظلم بسبب ما تشعر به الأن...