الكفاءة الذاتية
ترجمة:
مرام الراشد
الكفاءة الذاتية: حيلة نفسية للتمكن من التركيز الذهني والدافعية
ماهو الذي تلوم نفسك عليه عندما تلاحظ التشتت وصعوبة التركيز؟
هل هو بسبب كثرة الرسائل والايميلات على جهازك؟ والمقاطعات التي لا تتوقف؟ أم ضعف مقاومتك لسيل التنبيهات في تويتر؟
هذه أسباب مشروعة للتشتت.. ولكن ماذا لو أنك لم تنتبه لسبب أعمق وأهم.. سبب مدمر للتركيز؟ الثقة في النفس.
الكفاءة الذاتية هي مفهوم نفسي يرجع لثقتك بنفسك في التعامل بفعالية ونجاح مع المواقف وبقدرتك على تجاوز العوائق المحتملة. بصياغة أخرى يمكننا القول (الى أي درجة تؤمن بقدراتك ونفسك؟ وخصوصاً عندما تواجه تحدي أو تغييرات مفاجئة، هل يمكنك تجاوز هذه المرحلة بنجاح؟).
الكفاءة الذاتية لا تقتصر على الذات انما يمتد تأثيرها على الحياة بمجملها. من لحظة ايماننا بقدرتنا على قيادة السيارة ذهاباً للعمل الى لحظة الوصول والمحاولة في حل مشكلة ما. بالرغم من ذلك القليل منا يعي قوة تأثيرها على حياتنا وقراراتنا. لكن بمجرد اكتساب هذه الكفاءة وتعلمها.. يمكنك الارتقاء نحو ثقة أعلى بالنفس وتركيز ودافعية أفضل من ذي قبل.
سنتطرق خلال هذه المقالة الى عدة أمور:
ما هي الكفاءة الذاتية؟
كيف تؤثر الكفاءة الذاتية في تركيزك داخل العمل؟
المكونات 4 لبناء كفاءة ذاتية فعالة في العمل للحصول على التركيز والدافعية؟
مثال على الكفاءة الذاتية: دليل عملي لبناء الدافعية والتركيز؟
ما هي الكفاءة الذاتية؟
العالم النفسي ألبرت باندورا أطلق مصطلح الكفاءة الذاتية في سنة 1977 ميلادي لوصف معتقدات الشخص حول قدرته الذاتية على تخطي المصاعب والنجاح في أي موقف كان.
على خلاف الثقة بالنفس والتي تُعنى بالجودة العامة للشخصية، فإن الكفاءة الذاتية مرتبطة بأداء المهام أو بموضوع خاص يهمنا امره.
عندما تمتلك كفاءة ذاتية عالية ستكون أكثر قدرة على وضع أهداف تتحدى فيها نفسك، وستبقى مثابر بالرغم من العوائق لأن دافعيتك اقوى منها. ستصبح نظرتك للمهام الصعبة نظرة تحدي للتمكّن من هذه المهام بدلا من تجنبها والخوف منها.
وكما يشرح د. باندورا، الكفاءة الذاتية العالية تُنتج إنجازات شخصية، وتخفض من التوتر والاجهاد وتقلل من هشاشة التعرض للاكتئاب. بينما انخفاض الكفاءة يسبب التسويف ويجعل الشخص يستسلم بمجرد مواجهة المصاعب، وقد يسبب أيضاً لوم الذات وجلدها عند الفشل. مستوى الكفاءة العالي في العمل في الغالب يضمن نجاح الفرد ومن حسن الحظ هناك خطوات واضحة لتطوير هذه السمة.
كيف تؤثر الكفاءة الذاتية على تركيزك في العمل؟
من خلال حديثنا يتضح لنا أن الكفاءة الذاتية يمكنها أن تدعم الدافعية والمثابرة عند الشخص. ولكن كيف تؤثر بالتحديد على القدرة على التركيز؟
كما ذكرنا مسبقا أن التسويف والدافعية وحتى التركيز تعتبر عوائق عاطفية للإنجاز خصوصا عندما تضطرب هذه الجوانب سوياً. السبب الذي يجعل الشخص يتجنب العمل هو الشعور بفقدان الدافعية، او بالتشتت الذي قد يكون بسبب الخوف أو الغموض وعدم التأكد.
مع وجود ضعف في الكفاءة الذاتية.. يسهل الانقياد خلف المشتتات والمقاطعات المتكررة. مثلاً: عندما تشعر بانك لن تستطيع النجاح أو بأنك لا تستطيع التعامل مع المشكلات فإنك على الاحرى ستبحث عن أمر اخر تفعله يشتتك عن هذا التوتر الذي يدور حول المهمة وقدرتك على إنجازها.
ولكن ما يحدث على الجانب الاخر عندما تكون الكفاءة الذاتية مرتفعة.. ستتجاهل بشكل اوتوماتيكي ما يقارب 50% من المقاطعات اليومية (الذاتية). وهذا ما يساعد الانسان على توجيه تركيزه العميق ولفترة أطول على المهمة المطلوبة.
في الواقع، لقد كتب يوماً د. باندورا حول تأثير الكفاءة الذاتية العالية حيث ذكر بأنها: ".. تعزز الاهتمام الجوهري والانخراط العميق في الأنشطة..". وبصياغة أخرى، يمكننا القول بأن الكفاءة الذاتية تقود الى حالة من التدفق العميق والذي يكون فيها الانسان أكثر إنتاجية 500% مقارنة بالإنتاجية المعتادة.
العناصر الأربعة التي تبني الكفاءة الذاتية في العمل والتي تساعد في اكتساب الدافعية والتركيز
يمكنك فعله حقا هو أن تفهم العناصر الأساسية لبناء الكفاءة الخاصة بك، ومحاولة إضافة هذه المعرفة الى ادائك اليومي للمهام.
تجارب الاتقان
النجاحات الصغيرة هي حجر أساس تبني به الكفاءة الذاتية. كلما أكملت مهمات صعبه، حتى لو كانت بسيطة كلما زادت ثقتك وايمانك بقدراتك في هذا المجال.
إذا لعبت يوما ما لعبة الكترونية، ستفهم هذه المبدأ. أغلب الألعاب تبدأ بسلسلة من المستويات والمهام البسيطة، والتي صممت لتسهيل عملية التعلم والاتقان. هذه النجاحات الصغيرة تعتبر كرة ثلج تتدحرج لتكوّن ايمان عالي بقدراتك الخاصة وتجلب لك الشعور بالمتعة من خلال تجاوز تحديات أصعب وأصعب.
وكما كتب د. باندورا يوماً:
"بعد أن يقتنع الأشخاص بأن لديهم ما يلزم للنجاح، سيتمكنون من الصمود أمام المحن ويتجاوزون العثرات بخفة. وينجون من الشدائد اقوى من ذي قبل عبر التمسك بهذه الصفة في اللحظات الحاسمة".
كيف يمكن تطبيق خطوة الاتقان: من خلال التدريب والممارسة المتعمدة. مارس خطوات صغيرة من المهارة الجديدة التي ترغب بتعلمها بصورة منتظمة حتى تتطور مهارتك الى درجة الاتقان.
على سبيل المثال لو كنت ترغب بتعلم كيفية العزف على الغيتار، كنت ستتمرن كل يوم فترة محددة لكي تبني ثقتك بهذه القدرات الجديدة. ولو كنت ترغب ببناء الكفاءة الذاتية في تصميم الشعارات، ستبدأ بتعديل الشعارات الشائعة وتراقب طريقة تصميمها.
التجارب بالقدوة والمشاهدة
ملاحظة نجاح الاخرين الذي يكون بسبب مثابرتهم واجتهادهم يدفع الأشخاص للإيمان بأنفسهم وقدرتهم على تطبيق ذلك على المستوى الشخصي. وبالأخص عند ملاحظة سلوكيات شخص يشبه في حاله الراهن ما مررنا به نحن. لذلك القدوات والمرشدين يفعلون ما هو أعظم من مجرد أخبارك بأن ما تتمناه قد يكون ممكناً. فمن خلال مراقبة ما يفعلونه في اللحظة ستتعلم كيف تتفاعل مع متطلبات المهام وتلتقط بذلك مهارات واستراتيجيات بيسر وسهولة والتي ستختصرعليك جهد سنوات بدلا من محاولة تعلمها بمفردك.
إذا كنت لا تعرف أي شخص بقدرات وكفاءة عالية في المهارة التي تثير اهتمامك.. ابحث عن أمثلة على وسائل التواصل الاجتماعي وفي مواقع الانترنت.. اقرا قصص هؤلاء الذين اجتهدوا ونالوا ونجحوا. مما يساعد على تقوية ايمانك بقدراتك هو العثور على النقاط المشتركة بين معاناتك وبين الصعوبات التي واجهها هؤلاء الناجحين في قصصهم.
الاقناع الاجتماعي (مثل: التغذية الراجعة)
عندما تكون في خضم مهمة صعبة ويقول لك أحدهم "أنت تقوم بعمل جيد" فإن هذا الاطراء قد يقنعك بإنك تمتلك مهارات النجاح ويشجعك على أنهاء العمل. على سبيل المثال، عندما يقول مدير لأحد الموظفين في يوم عرض مشروعه "أنت على المسار الصحيح".
بالرغم من ذلك فإن التقييم الخاطئ والذي يشبه الى حد ما قد يقوله الوالد الإيجابي تجاه ابناءه يمكنه أن يمحي الكفاءة الذاتية عندما لا يستطيع المرء رؤية النتائج التي يتوقعها.
هناك مثال على التغذية الراجعة وهو طريقة 30/90. وهو طلب التقييم عالي الدقة عند اكمال 30 % من العمل ومن ثم القيام بتحليل وتقييم أعمق عند الوصول الى 10% المتبقية من المهمة. هذه الطريقة تسمح بتجنب تلقي التقييم الخاطئ في بداية المهمة (الذي قد يدمر ايمانك بقدرتك على انهاء ما تبقى).
وضعك النفسي والعاطفي
أخيراً الكفاءة الذاتية ترتكز على الحالة النفسية والعاطفية الإيجابية. فمن الصعب على الانسان ان يعتقد يقيناً بقدراته في حال معاناته مع القلق أو الاحتراق الوظيفي.
وفي مقولة أخرى لد. باندورا:
"المزاج الإيجابي يعزز من الكفاءة الذاتية، والمزاج المحبط واليائس يقلصها"
من جانب اخر قد تغير الكفاءة الذاتية العالية نظرتك للمواقف الضاغطة من حولك. وعندما تكتسب تلك الثقة والدافعية، سيتم إعادة صياغة الضغوط والقلق في حياتك الى لحظات من الإثارة التي تدفعك لتجاوز المصاعب بدلا من التوقف والاستسلام.
كيف يمكنك تطبيق هذه النصيحة: حاول تغيير الحوار الداخلي. إذا كنت تشعر بالإجهاد والتوتر من موقف معين حاول أن تفهم لماذا.
ما هي مواطن القلق والاجهاد التي لمستها في نفسك وخلال يومك؟ هل يمكنك ازالتها أو التقليل منها؟
مثال على الكفاءة الذاتية: دليل عملي لبناء الدافعية وتحسين التركيز
الكفاءة الذاتية سمة يمكنك بنائها والمحافظة عليها خلال فترة حياتك. ولكن كيف تبدو هذه السمة في دائرة العمل ومهامه؟
لنفترض بأنك توظفت مؤخرا كمصمم مبتدئ وتم تسليمك مهمة تصميم صفحة العرض الالكترونية للشركة. هذه المرة الأولى التي تقوم فيها بمشروع مشابه وتشعر قليلا بالتوتر تجاه هذا الحمل الثقيل على كاهلك.
ولو اعتبرنا أن هذا الشخص لديه كفاءة ذاتية منخفضة فإنه سيشك بقدراته وسيبدأ بتسويف المهام وتأجيلها. (مثلاً: قضاء وقت طويل في البحث عن بعض الإلهام أو تضييع اليوم في الرد على ايميلات ورسائل مهمة).
ولكن لو كان هذا الشخص يمتلك كفاءة ذاتية عالية سنعرف أنه سيتمكن من إنهاء المهمة. حتى لو واجه الصعوبات والعراقيل سيحاول تعلم مهارات جديده تعينه على انهاء هذه المهمة الصعبة. نرغب جميعنا بان نكون هذا الشخص الذي يتقبل التحديات وينجح فيها، اليس كذلك؟
كيف يمكننا تقوية الكفاءة الذاتية؟
كيف يمكننا ان نكتسب الثقة اللازمة للتركيز على المهام بالرغم من أي عثرات في الطريق؟
قسم هدفك الى مهام صغيرة
الاتقان والثقة تحدث فقط عندما تنهي مهمة معينة وتقول في نفسك بكل وضوح " لقد قمت بإنهاء هذه المهمة بالشكل المناسب". بدلا من التفكير في الصفحة النهائية لموقع الشركة، ابدا برسم مسودة او نموذج مبدئي لما ترغب به. بعدها اعمل على اختيار الألوان والايقونات اللازمة. كل خطوة من هذه الخطوات ستقربك أكثر وأكثر الى انهاء المشروع وبالتالي ستبني خلال الطريق ثقتك بنفسك.
راقب تقدمك وتتبع خطواتك
لا يكفي بان يكون لديك مهام صغيرة مقسمة، عليك أن تعرف ماذا انهيت وماذا توصلت له. وهذا الامر سيكون سهلاً.. عليك فقط أن تدون كل خطوة على قائمة المهام الخاصة ومن ثم تضع إشارة عليها بمجرد انهائها. او يمكنك استخدام مؤقت على جهازك ليطلعك على الوقت الذي استهلكته في انهاء كل مهمة يوميا.
ضع معالم واضحة للتقييم الذي ترغب بتلقيه
اطلب التقييم الصحيح بكرا وبشكل معتاد. هذا يعني إنك ستطلب من مديرك في المراحل الأولية للمشروع وتسأله عن التصميم العام للموقع. او ستتواصل مع زميل في العمل لاحقا لجمع أفكار مبدئية حول العناصر البصرية للموقع.
اطرح الأسئلة وأطلب المساعدة
مكان العمل فرصة ذهبية لتجارب متنوعة. عندما تبدأ العمل اطلب مرافقة أحد الزملاء او ابحث عن فرص لمشاهدتهم أثناء عملهم.
انتبه لنفسك خلال الطريق
خلال مشروع ما، احرص على الاهتمام بنفسك والتعامل مع الاجهاد والشكوك الذاتية بشكل يومي. هل تحتاج لتغيير جدولك اليومي، لكي تحصل على وقت كافي لتعمل بجد وتركيز؟ او هل انت بحاجة لتجاهل بعض المهام للتركيز على مهمة أكثر أهمية؟
أخيراً
احتفل بنجاحاتك وتفكر فيما وصلت اليه. في منتصف تركيزك لإنهاء مهمة بعد أخرى لا تفقد الإحساس بإنجازاتك لا تنسى أن تقدرها وتتذكرها، فهذه العادة البسيطة ستساعدك كثيراً في بناء الكفاءة الذاتية.
في الأساس تأتي الكفاءة الذاتية من العمل بعزيمة. كلما قسمت المهام الضخمة المخيفة الى قطع مناسبة لاحظ الفرق في ادائك وابحث عن التقييم والدعم، سترى أنك أصبحت أكثر ثقة ونجاحا من قبل. هذه العملية يمكنها ان تنطبق على أي مهمة مهما كانت صعبة أو بسيطة.
لو كنت تتوقع بأنك تستطيع فقد تتمكن من ذلك. بينما لو كنت تعتقد بأنه يمكنك القيام بذلك فستفعله بالتأكيد.
الكفاءة الذاتية هي احدى تلك المفاهيم التي تشعر لوهلة بانها يجب ان تكون معقدة أكثر مما هي عليه في الواقع. ولكن في الحقيقة كل ما تحدثنا عنه في هذه المقالة هو استحضار نية وعزيمة أكبر في عملك وحياتك. عندما تكون شخصا هادفاً في طريقة حياتك وعملك وفي طلبك للمساعدة والتقييم، ستبني ثقتك في نفسك وتركيزك ودافعيتك تدريجيا وبصورة طبيعية.
رسالة إمعان: يخبرونك أنه من سار على الدرب وصل، لكن لا أحد يخبرك بالقصة كاملة.. من سار على الدرب تعثر وسقط تألم ونهض خذل فحارب ثم مشى بعزيمة وظن بالله خيراً حتى وصل..