اضطراباتُ الأكلِ
كيف تتغير علاقة الشخص بالأكل؟
تعدّ اضطراباتُ الأكلِ من الاضطراباتٍ النفسية، التي تتعلَّقُ بعَلاقة الناس مع الطعامِ، أو ممارسةِ الرياضة، أو الشكل العام للجسمِ (صورة المظهر الخارجي)؛ إذ قد تؤثر صورتهم العامة عن أنفسهم تأثيراً سلبياً في صحتهم، فنجدُ بعضَ الأشخاصِ الذين يعانون من اضطرابات الأكلِ- على سبيل المثال- يأكلون بكميَّاتٍ قليلةٍ قد تُعرِّضُ صحتهم للخطر، أو يتناولون الطعام بكمياتٍ مفرطةٍ؛ مما يؤدي إلى إصابتهم بالقيءِ، أو يتجهون لممارسة الرياضة بشكلٍ قسريٍّ؛ وهناك اعتقاد خاطئ شائع أن اضطرابات الأكل هي خيار نمط الحياة مما ينعكس سلباً على أدائهم الوظيفيِّ في جوانبَ مُهمَّةٍ من الحياة، بالإضافة إلى ما يصاحبُها من تأثيرٍ في الجسم؛ يتبعُه الإصابةُ بأمراضٍ خطيرةٍ تهدِّدُ حياةَ الشخص.
ما مدى انتشارِ اضطرابات الأكل؟
تتشكَّلُ نسبةُ الاصابة بهذا الاضطراب في المملكة العربية السعودية بشكلٍ متفاوت، ولكنّ الدراساتِ أثبتت مدى التفاوت بين الذكور والإثاث في الإصابة بهذا الاضطراب؛ فقد أظهرت نتائجُ المسحِ الوطني السعودي للصحة وضغوطِ الحياةِ أنّ نسبةَ انتشارِه عند الإناث- فيمَا يَـخُصُّ الإصابةّ بشراهة الأكلِ- 3,8؛ أي نسبةً أكثرُ من النّهم العصبي التي تبلغُ 2,6، أمَّا الذكورُ فتبلغُ نسبةُ الإصابة بالنَّهم العصبي 3,1؛ أكثرُ من الشراهة في الأكل التي تبلغُ 2,7، وغالباً تبلغ نسبة الإصابة في الإناث أكثر من الذكور .
وغالباً ما تبدأً أعراضُ اضطراب الأكل في سنِّ المراهقة، وتستمر حتى سن الرشد؛ وذلك (في جميع أنواع اضطرابات الأكل).
ما هي اضطرابات الاكل؟
تعرف اضطراباتُ الأكلِ بأنَّها اختلالٌ في سلوكِ تناول الطعامِ، وعدمِ الانتظامِ في تناول الوجبات بين الامتناع القهريِّ من تناول الطعام، أو التكرارِ القهري لتناول الطعام في غير مواعيدِه، وبكمياتٍ تَزيدُ على ما يتطلَّبُه النموُّ الطبيعيُّ للفرد، والذي يُصاحِبُ محاولةَ الفردِ التخلُّصَ من الطعام الزائدِ عن حاجة الجسم.
أنواعُ اضطراباتِ الأكلِ:
لقد تم تقسيمُ أنواع اضطراب الأكل إلى ثلاثةِ أنواعٍ رئيسةٍ؛ كما جاءت بالدَّليلِ الإحصائيِّ الخامس (DMS-5)
النوعُ الأول: فِقدانُ الشهيةِ العصبيِّ.
النوع الثاني: النَّهَمُ العصبيُّ.
النوع الثالث: الشَّراهَةُ في الأكلِ.
هذا وتختلِفُ أعراضُ كلٍّ من الأنواع السابقة؛ ونقومُ بتوضيح هذه الأعراض؛ كما يأتي:
النوعُ الأول- فِقدانُ الشهيةِ العصبيِّ:
يُعرَّف فِقدان الشهية العصبي بأنه اضطرابٌ يتميَّزُ بالتجويعِ الذَّاتيِّ، ولكن لا يصاحبُه فقدان الشهيةِ، أو الاهتمامُ بالطعام، بل على العكس يكونُ المصابون مشغولين بالتفكير في الطعام أثناءِ تعرضهم لنوبات الجوعِ الشديدِ، بل ربما يُداوِمُون على قراءة كتب الطَّهيِ وإعداد الوجبات الشهية لعائلاتهم.
يميزُ الدليل الإحصائيُّ الخامس (DSM-5) بين نمطين من اضطراب فقدان الشهية العصبي، وهما:
1- نمطُ التقييد؛ حيث ينخفضُ الوزنُ من خلال التقييد الشديد على تناول الطعام.
2- نمط شراهة الأكل؛ التطهير حيث يأكلُ الشخص بشراهة ثم يعتمد التخلص من الطعام بالقيء أو المليِّنات.
أعراض هذا الاضطراب:
ان أعراضَ اضطرابِ فقدانِ الشهيةِ العصبي (تستمرُّ هذه الأعراض فترةً لا تقلُّ عن ثلاثةِ شهورٍ)؛ ومن أهمِّ هذه الأعراضِ ما يأتي:
السلوكياتُ المفيدة للطعام التي تؤدي إلى انخفاض الوزن بشكلٍ كبيرٍ أكثرُ من مجرد رفضِ الحفاظ على الوزن المعياريِّ.
الخوفُ الشديد من الزيادةِ، أو التركيزُ على انخفاض الوزن أكثرُ من الوزن الطبيعي.
تَشَوُّهُ صورةِ الجسمِ، أو الإحساسُ بشكل الجسم.
النوع الثاني- النَّهَمُ العصبيُّ:
يُعرف هذا النوعُ بأنه عبارةٌ عن نوباتٍ من التناول السريع لكمياتٍ كبيرةٍ من الطعام أكثرَ من التي يأكلُها الأفرادُ العاديُّون طوالَ اليومِ في جَلسةٍ واحدةٍ، يليها سلوكٌ قهريٌّ؛ كالقيءِ، أو الصيامِ، أو التدريبات الشَّاقَّةِ؛ لمنع زيادة الوزن.
أعراض هذا الاضطراب:
ان أعراضَ اضطرابِ النهم العصبيّ ( يتم تشخيص في حالة النهم العصبي تتكرَّرُ مرةً أسبوعياً على مدارِ ثلاثة أشهرٍ)؛ ومن أهمِّ هذه الأعراضِ ما يأتي:
نوباتٌ متكررةٌ من الشراهةِ في الأكل.
السلوكياتُ القهريةُ المتكررةُ؛ للحفاظ على الوزن؛ مثل التقيؤ.
يمثلُ شكلُ الجسم والوزن تقييماتٍ ذاتيةٍ جوهريةٍ الجوهرية تؤثرُ في نظرة الشخص عن ذاته.
ويمكنُنا أن نوضح الفرق بين اضطراب فقدان الشهيةِ العصبيِّ و النَّهم العصبي كما يلي:
يتناولُ المصابون بأيٍّ منهما كميةً كبيرةً من الطعام أكثرَ مما يأكلُها الأفرادُ في فترةٍ زمنية قصيرةٍ؛ (تبلغُ مثلاً أقلَّ من ساعتين).
تسيطرُ أعراضُهما على مشاعرِ فقدان السيطرة على سلوك الأكل؛ فلا يستطيعُ المصابُ أن يتوقفَ عن الطعامِ.
لا بدّ من التركيز في حالة التشخيص بالإصابة بالنهم العصبي- أنه إذا تناول المصابُ الأكلَ ثم تخلَّص منه، وصاحبه نزولٌ في الوزنِ، والإصابةُ بالهزالِ الشديد- يكون الشخص مصاباً بالنَّمطِ الثاني من أنماط فقدان الشهية العصبي؛ وهو نمطُ شراهةِ الأكلِ (لتطهيرِ)؛ وبهذا يظهرُ الفرق بين الاضطرابين؛ ففقدانُ الشهيةِ العصبية يصاحبُه انخفاض شديدٌ في الوزن، أما النهم العصبيُّ فلا يصاحبُه هذا الانخفاضُ.
النوع الثالث- الشَّراهَةُ في الأكلِ:
يعرف هذا الاضطراب بأنه فقدانُ السيطرةِ والتحكمِ في أثناءِ نوبات الشراهة في الأكل، والشعور بالندم بعد الشراهة في الأكل، ويتضمَّنُ خصائصَ أخرى؛ كالأكلِ بسرعةٍ، والأكلِ منفرداً، ولا يصاحبُه فقدانٌ في الوزن، وعدمُ وجودِ وسائلَ تعويضيةٍ؛ للتخلص من الطعام، ويتصفُ أصحابُ هذا الاضطراب بأنهم من ذوات الأوزان الزائدة.
أعراض هذا الاضطراب:
أنّ أعراضَ اضطرابِ الشراهة في الأكل (يتم تشخيص نوبات متكررة من الشراهة تتكرَّرُ مرةً كلَّ أسبوعٍ لمدة ثلاثةِ شهورٍ على الأقلِّ)؛ ومن هذه الأعراضِ ما يأتي:
نوباتٌ متكررةٌ من الشراهة في الأكل.
لا توجدُ سلوكياتٌ تعويضيةٌ.
وتتضمنُ نوباتُ الشراهةِ في الأكلِ- على الأقلِّ- ثلاثةَ أعراضٍ مما يأتي:
الأكلُ بسرعةٍ مقارنةً بالمعتاد؛ فيشعر المصاب بالشِّبَعِ.
أكلُ كمياتٍ كبيرةٍ؛ حتى لو لم يكنْ هناك إحساسٌ بالجوع.
الأكلُ بشكلٍ انفراديٍّ؛ حتى يتجنَّبَ الإحراجَ في الأكل أمام الناسِ بكمياتٍ كبيرةٍ من الطعام.
الشعورُ بمشاعرَ سيئةٍ؛ مثل: الشعورِ بالذَّنبِ، أو الاكتئابِ بعد الشراهة في الأكل.
ما هي أهم الأسبابِ والعوامل التي تؤدي إلى الإصابةِ باضطرابات الأكل؟
كما جاءت في الدليل الإحصائيِّ الخامس (DMS-5):
1- العواملُ الوراثيَّةُ:
تؤدي العواملُ الوراثيةُ دوراً كبيراً في اضطرابات الأكل؛ فإذا كان أحدُ الوالدين أو أحدُ أفراد الأسرة يعانون- مثلاً- من اضطراب الأكلِ، أو سبق لهم الإصابةُ به، فستزدادُ احتماليةُ الإصابةِ بالاضطراب. وقد أظهرت الدراساتُ أن نسبة الإصابة بالاضطراب لدى التوائمِ تكونُ بنسبة كبيرةٍ في التوائم المتماثلة عنها في التوائم غير المتماثلةِ.
2- العواملُ البيولوجية والعصبية:
يعتبر الهيبوثلامس في المخ المركزَ الرئيسَ في تنظيم الجوع والأكل، ويعتبر أيضاً من مصادر افراز الناقلات العصبية؛ وبهذا تكونُ العواملُ البيولوجية والعصبيةُ مسؤولةً عن اضطراب الأكل عن طريق التأثير في عملية الشبع. ومن هذه الناقلات السيرتونين، والدوبامين، وهناك الأفيونيات الداخليةُ التي يُفرزُها الجسمُ؛ من أجلِ تقليلِ الإحساس بالألم، وتحسين المزاج والتحكم في الشهية؛ وتُفْرَز هذه الموادُّ عند التعرض للجوع.
3- العواملُ السلوكيةُ المعرفية:
تَرتكزُ العواملُ السلوكية والمعرفية في اضطراب الأكل على فهم الأفكار والمشاعر والسلوك، التي تسهم جميعاً في تشوُّهِ صورةِ الجسمِ، والخوف من السمنةِ، وفقدان التحكم في الأكل. كما تتطلَّبُ التحكمَ في وزن الجسمِ، وشكلِه، والتحكمَ أيضاً في كمية الطعام؛ إذ إن المصابين يحكُمُون على أنفسهم من خلال الوزن والشكل؛ ومن ثم يَنخفِضُ لديهم تقديرُهم لذاتهم. أضف إلى ذلك أن مشاعرَهم السلبيةَ تؤثر في زيادة الوزن لديهم؛ مما يلجئُ بعضَ الأفرادِ إلى استخدام سلوكٍ تعويضيٍّ؛ مثل القيء؛ لكي يتخلصَ من الأكل، ويقللَ من القلق الناتج عن أكل كميةٍ كبيرةٍ من الطعام.
4- العواملُ الاجتماعيةُ والثقافية والاقتصادية:
للعوامل الاجتماعية دورٌ رئيسٌ في نشأة اضطراب الأكل؛ وذلك من خلال تغير معاييرِ الجسم المثالي في المجتمعات على مر العصور، وكذلك تأثيرُ وسائل الإعلام على مسألة النحافةِ؛ وخاصة لدى النساء بسبب بعض المهن التي تتطلب النحافة؛ كالرياضيين، والممثلين، والرَّاقصين، وعارضي الأزياءِ؛ فهم أكثرُ عُرضةً من غيرهم بالإصابة بهذا الاضطراب. ومن بين العوامل الاجتماعية يأتي عاملُ النَّوعِ؛ حيث إن له تأثيراً كبيراً وواضحاً في الإصابة باضطراب الأكل؛ حيث لوحظ أن نسبة الإصابة في الإناث أكثر شيوعاً من الذكور. والعوامل الثقافية لها دور حيث تختلفُ الثقافةُ بين الدول والشعوب في نمط الأكل، وطريقته، بالإضافة إلى اختلافاتِ الدول في الأصول العرقيَّة؛ مما يستتبِعُ الاختلافَ والتباينَ في نمط الأكل. والعوامل الاقتصادية لها دور مهم في اضطرابات الأكل.
5- عاملُ الشخصية:
والذي يؤثرُ في اضطراب الأكل، والعكسُ صحيحٌ؛ فاضطرابُ الأكلِ يؤثر أيضاً في الشخصية.
6- عاملُ الأسرةِ:
من الأدلة التي نستشهدُ بها في هذا السياقِ أنه قد تنشأُ اضطراباتُ الأكلِ في ظل وجود صراعاتٍ ومشاكل أسريةٍ؛ مع الأخذ في الحسبانِ خصائصَ الأسرةِ مثل الدعم والأمان والتي من السهلِ أن تؤثر في احتمالية الإصابةَ باضطرابات الأكل. والعكس صحيحٌ؛ فقد تؤثر اضطراباتُ الأكلِ في المناخ الأسريِّ.
وكذلك عاملُ إساءةِ مَعَامَلةِ الأطفالِ: لقد أوضحت الدراساتُ- كما في الدليل الإحصائي الخامس(DMS-5) أنّ حالاتِ الاعتداء الجنسيِّ في أثناءِ الطفولة تزيدُ لدى مرضى اضطرابِ الأكل، وأنّ سوءَ المعاملةِ يتمُّ الإفصاحُ عنه بنسب أكبر من قِبَلِ المريض باضطراب الأكل في أثناء العلاج.
وبعد عرض الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى الإصابة باضطراب الأكل- نذكرُ أفضل مؤشِّراتِ كتلة الجسم وهي كالتالي:
أفضلُ مؤشرٍ لكتلةِ الجسم: هي التي تتراوح بين 20-25.
أما مُؤَشِّرُ كتلة الجسم: هو الذي يَقِلُّ عن 20 فهو يدلُّ مؤشرُ كتلة الجسمِ على ما يأتي: يدلُّ على الانخفاض الواضحِ في الوزنِ ويُعَدّ أحدَ المعايير التشخيصية لاضطراب فقدان الشهية العصبيِّ وتؤثر كتلةُ الجسمِ في مظهر الجسمِ الخارجيِّ.
وبناءً على ذلك نقومُ الآن بعرضِ العَواقِب الجسميةِ التي يُسبِّبُها اضطرابُ الأكلِ لكلِّ نَوعٍ من الأنواع التي ذكرناها من قبل، كما يلي:
1- من العواقب الجسمية التي يسببُها اضطرابُ فقدان الشهية العصبيِّ:
يتعرَّضُ المصابُ باضطراب فقدانِ الشهيةِ العصبيِّ إلى مجموعةٍ من العواقب الجسمية؛ مثل: التعبِ، وعدمِ انتظامِ ضربات القلب، وانخفاضِ ضغط الدمِ، وانخفاضِ مُعدَّلِ ضربات القلب؛ بسبب التغير الذي يحدثُ في كهرباء الجسم وتوصيلاتها من الصوديوم والبوتاسيوم، وكذلك الضعفُ الحادُّ في عضلةِ القلبِ؛ لأنّ الجسمَ يَستخدمُ هذه العضلاتِ كمصدرٍ للبروتين. كما يتعرض المصابُ إلى جفافِ الجلدِ، وسقوطِ الشعر، وهشاشة الأظافرِ، ومشكلاتٍ في الكليتين، والأمعاء الدقيقة، وسقوطِ شعر الجسم، وتأخُّرِ الدَّورةِ الشهرية لدى المرأة، واختلالِ الهرمونات. كما قد يصاب بالأنيميا، وهبوطٍ في درجة حرارة الجسم؛ مما يسببُ له الإحساسَ بالبردِ؛ حتى في الأجواء الحارة.
2- من العواقب الجسمية التي يسببها النَّهمُ العصبي:
يتعرضُ المصاب باضطراب النهم العصبي إلى مجموعةٍ من العواقب الجسمية؛ مثل: الفقدانِ المستمرِّ لميناء الأسنانِ، ونقصِ عنصرِ الكالسيوم في الجسم؛ بسبب التطهير والتخلص المتكرر من الطعام، والاستخدام المتكرر للمُلَيِّنَاتِ التي تُستخدم مع الإسهال الذي يؤدي إلى تغيراتٍ في نسبة الأملاح المذابة. و اضطراباتٌ في معدل ضربات القلب، وهذا يصحبه قيءٌ متكرِّرٌ، كما يصاحبه اضطرابُ الحيض لدى النساء، ويرتبطُ القيء المتكرر بتمزِّقِ أنسجةِ المعدةِ والحلقِ، وكذلك تَضَخُّمُ الغُدَّةِ اللُّعابيةِ.
3- من العواقب الجسمية التي تسببها الشَّراهةُ في الأكل:
يتعرض المصابُ باضطراب الشراهة في الأكل بالكثير من الآثار الجسمية التي ترتبطُ بوظيفة السمنة؛ مثل: احتمالية إصابة أعلى للنمط الثاني من مرض السكر، ومشكلاتِ الأوعية القلبيةِ، وصعوباتِ التنفسِ، ومشكلاتِ المفاصلِ والعَضَلاتِ.
ونذكرُ هنا مجموعةً أخرى من العواقب الجسمية التي يسببها اضطرابُ الشراهة في الأكل، ومنها: مشكلاتُ النوم، والقلق، والاكتئاب، وزملة القولون العصبي، وحدوث بدء الحيض عند النساءِ مبكراً. وكما تؤثر هذه العواقبُ في الجسم، فإنها تؤثرُ كذلك في الجانب النفسي؛ من حيث الاستقرارِ النفسيِّ، والحياة الاجتماعيةِ؛ في عدم المصابُ عن الاختلاط بالناس؛ فقد يُسبِّبُ له اضطرابُ الشراهة في الأكل شعوراً بعدمِ تناولِ الأكل أمام الناسِ بسبب الشراهة في الأكل.
هل يمكن ان يعاني الشخص من اضطراب الاكل بالإضافة الى اضطرابات نفسية أخرى؟
من الاضطرابات النفسية التي قد تظهر مصاحبة مع اضطرابات الأكل ؟
قد يتعرض المصاب للقلق، أو الاكتئاب، أو اضطراباتِ المزاج، أو اضطرابات الشخصية، أو اضطرابات في وظائف العمل والوظائف الاجتماعية والأسرية، وتدني تقديرِ المصاب بذاته، أو اضطرابِ سوء استخدام المواد، واضطراب السلوك؛ مثل: الانتحار الذي ترتفع معدلاته لدى مرضى النهم العصبيِّ مقارنةً بالأفراد العاديين، ولكنها أقل لدى مصابي فقدان الشهية العصبي. واضطراب ثنائي القطب، واضطراب الهلع، واضطراب الوسواسِ القهريِّ، والرهاب، والفصامِ، وهذا تقريباً مجمل الاضطرابات النفسية التي تصاحب اضطرابات الأكل.
ما هي الخيارات العلاجية المتاحة لإضطرابات الأكل ؟
التدخُّلاتُ العلاجية
قد يجهل الكثير من مصابي اضطرابات الأكل أنهم مرضى أو حتى لديهم اضطرابٌ أصلاً؛ فعلى سبيل المثال يرى كثيرٌ من ذوي الشره في تناول الطعام حالاتِ الامتلاءِ والتفريغ المتعمَّد للطعام على أنها طريقةٌ إيجابيةٌ لضبط الوزن والتحكم فيه، وبالمثل فإن الأفرادَ من ذوي فقدان الشهية ينكرون أنهم أصحابُ أوزانٍ مَرَضيةِ. ويتمثَّلُ علاجِ اضطراب الأكل باتباع العديد من الطرق العلاجية؛ ومن الجوانب المهمة للعلاج إدارةُ الصحة الجسدية لمكافحة آثار هذه الاضطرابات البدنية، كما إنّ التدخلَ العلاجيَّ بهدف الإدارة الغذائية يعدّ ضرورياً في بعض حالات اضطرابات الأكل.
ومن التدخلاتِ العلاجية بعضُ الحالات التي يتمُّ فيها تنويمُ المرضى في المستشفى إذا كانت هناك عواملُ خطورةٍ شديدةٍ تستدعي التدخلَ الطبي لمعالجة الاختلالات الحيوية في الجسم.
وتتمثل التدخلاتُ العلاجيةُ فيما يلي:
1- العلاجُ الدوائي: ويقصد به علاجُ اضطرابات الأكل، ويشملُ مضادَّاتِ الاكتئابِ؛ حيث تشير الأبحاثُ إلى فعالية مضادات الاكتئاب في تقليص دورة الأكل الزائدِ، والسلوك التعويضيِ للتخلص منه في حالات اضطراب الشره العصبيِّ، كما إن هذا نوع من الأدوية يمكن أن يؤديَ إلى استقرار حالة استعادة الوزن للمصابين باضطراب فقدان الشهية العصبي.
2- الإدارة الغذائية: ونلجأ إليه؛ لاستخدام نظام غذائي متوازن في التعامل مع حالات اضطرابات الأكل، وتوضيحِ عواقب عادات الأكل الخاطئة، والتثقيفِ بالقيمة الغذائية للأطعمة المختلفة قد يكون ضرورياً لمساعدة المصاب باضطرابات الأكل الذي فقد القدرةَ على اتباعِ عادات الأكل الصحية.
3- العلاجُ الذهني (المعرفي) السلوكي: يعد من أكثر نماذج العلاج النفسي شيوعاً لاضطرابات الأكل، ويشجعُ هذا العلاجُ المصاب على تقييم الأفكار والسلوكيات الحالية المشوشة، والذي يؤدي عادةً إلى بروزِ سلوكياتٍ صحيحة لدى الشخص المصاب. ويَهدُفُ العلاجُ الذهنيُّ (المعرفي) السلوكي إلى تحديد أنماط التفكير والمعتقدات التي تسهم في اضطراب الأكل، والتي تشملَ الغذاءَ، والوزنَ، وشكلَ الجسم، والمظهرَ.
وبمجرد تحديدِ هذه الأفكار والمعتقدات يتمُّ تعليمُ المصاب بعد ذلك عدةَ إستراتيجياتٍ لتعديلها والمساعدة في إدارتها.
4- العلاجُ النفسي البين شخصيِّ: يُستخدم العلاجُ البين شخصي بنجاح في حالات اضطراب الأكل؛ وخصوصاً اضطرابَ الشره العصبي، ونهم الأكل؛ إذ يتمُّ تناولُ مشكلات التفاعل البين شخصي التي يواجهُها المصابُ، والتي تعدّ من العوامل المهمة المسببة لاضطرابات الأكل.
5- العلاجُ الأسري: إن دعمَ الأسرةِ مهمُّ للغاية؛ إذ يسهمُ أفرادُ العائلة المقيمين في نفس منزل المصاب في التدخل العلاجي، وقد يشمل الزوج، أو الزوجةَ، والأولادَ، بالإضافة إلى الأقارب من الدرجة الثانية. ويعتمدُ نجاحُ البرنامج العلاجي على التزام أفراد الأسرة بالحضورِ، والمساهمة في الجلسات العلاجية؛ حيث يتم تشجيعُ الأسرة كوحدة واحدة على تطوير طرق صحية للتعامل مع اضطرابات الأكل.
أهمُّ الإشاراتِ التحذيريةِ التي يجب الانتباه لها التي قد تسبب في نشأةِ اضطراب الأكل، ومن من هذه الإشارات التالي:
هناك مجموعةٌ من الإشاراتِ التحذيرية التي نودُّ أن نلفتَ الانتباهَ إليها في الإصابة باضطراب الأكل؛ ومن بينها فقدان الوزنِ بشكلٍ كبيرٍ، أو القلقِ، أو الشكوى المستمرة من البَدانةِ، والحديثِ عن فقدان الوزن، أو تكرار النظر في المرآة؛ للاطلاع على العيوب المتخيَّلة، أو الكذب بشأن مقدار الطعام وموعده أو مقدار وزنه، أو التغيب عن وجبات الطعامِ، أو اختلاق الأعذار لعدم تناول الطعام، أو تناول الكثير من الطعام بسرعةٍ كبيرةٍ، والذهاب إلى الحمام كثيراً في أثناءِ تناول الطعام. وفي الغالب يكونُ مظهرُ المصاب متوتراً، ويُكثرُ من استخدام المكَمِّلاتِ الغذائية أو الملينات، أو المنتجات العُشبيةِ؛ نظيرَ فقدان الوزن، أو الإفراط في ممارسة الرياضية بشكلٍ مهووس، وتجنب تناول الطعام مع الآخرين، وقطع الطعام إلى قطع صغيرة، أو تناول الطعام ببطءٍ شديدٍ، أو التعبير والاشمئزازِ، أو الخجل أو الإحساسِ بالذنب تجاهَ عاداتِ تناولِ الطعام، أو ارتداءِ ملابسَ فضفاضةٍ؛ لإخفاء فقدان الوزنِ.
هل تَشْعُرُ بالقلق بشأن شخصٍ ما؟
وترغب في التحدث معه؟!
ننصحُك بالأتي:
إذا لاحظت الإشارات التحذيريةَ لاضطرابات الأكل في أحد الأصدقاء، أو أحد أفراد العائلة- فمن المهم التحدث. قد تكون خائفاً من أن تكونَ مخطئاً، أو تقول الشيء الخطأ، أو قد تنفر الشخص، ومع ذلك، فمن المهم ألا تدعَ هذه المخاوفَ تمنعُك من التعبير عن مخاوفك. غالباً ما يخافُ الأشخاصُ الذين يُعانون من اضطرابات الأكل من طَلَبِ المساعدة. يُكافِحُ بعضُ الأشخاصِ بقَدْرِ ما تُكافحُ؛ للعثور على طريقة لبدء محادثةٍ حولَ مشكلتهم، بينما يُعاني بعضُهم الآخرُ من ضعف الثقة بالنفس لدرجة أنهم ببساطة لا يشعرون أنهم يستحقون أيةَ مساعدة. مهما كان الأمرُ، فإن اضطراباتِ الأكل سوف تزدادُ سوءاً دون علاجٍ، ويمكن أن يكون الضرر الجسدي والنفسي شديداً. كلما بدأت بطلب المساعدة بشكل أسرع، كانت فرصُ في التعافي أفضل. لن تتمكنَ من إجبار شخصٍ يُعاني من اضطراب الأكل على التحسن. إن وجودَ علاقاتٍ داعمةٍ أمرٌ حيويٌّ لشفائه. يمكنُ أن يحدثَ حُبُّك وتشجيعُك فرقاً كبيراً.
كيفيةُ التحدُّثِ مع الشخصِ المصاب باضطراب الأكل؟
نادراً ما يكونُ قرارُ إجراءِ التغييرِ سهلاً بالنسبة لأي شخص
لذلك:
احرص على تثقيف نفسك عن اضطرابات الأكل، ونوع اضطراب الاكل الذي يعاني منه مَن سَتُقدِّمُ له الدعمَ؛ ليصل إلى شكلٍ أفضلَ، وبتفهمٍ أكثرَ؛ فكلما عرفت أكثر كنت أفضلَ استعداداً لمساعدة الشخص المقرَّبِ لك.
اختر وقتاً مناسباً يمكنك فيه التحدثُ إلى الشخص في مكانٍ هادئ دون وجودِ مُشتِّتاتٍ، ولا تتوقفْ في منتصف المحادثة بسبب التزاماتٍ أخرى! وضرورةُ إجراءِ المحادثة في وقتٍ من الهدوء العاطفيِّ.
اشرح سببَ قلقك كن حَذِرا لتجنب إلقاء المحاضرات، أو الانتقاد، أو اللوم؛ لأن هذا سيجعلُ الشخصَ دفاعياً فقط.. بدلاً من ذلك، ارجع إلى المواقف والسلوكيات المحدَّدةِ التي لاحظتها، واسأل نفسك: لماذا تقلقك؟ إن هدفَك في هذه المرحلة ليس تقديمَ حلولٍ، ولكنه من أجل التعبير عن مخاوفك بشأن صحة الأشخاص، وكيف تحبهم كثيراً، ورغبتك في المساعدة.
تَفَهَّمِ المرحلةَ التي يمرُّ بها المصاب، ولا تتجادل معه حولَ الأعراض؛ فهم يشعرون بالسوء بما فيه الكفايةُ عن أنفسهم وسلوكهم.
شَجِّع الشخصَ المقرب لك على طلب المساعدة من المختصين، كلما طال أمدُ اضطراب الأكل الذي لا يتم تشخُيصه أو علاجه، كانت مدةُ التدخلات العلاجية أطول؛ لذا حُثِّ الشخصَ المقرب لك على الحصول على العلاج.
كن مستعِدَّاً للإنكار والمقاومة؛ فهناك فرصةٌ جيدةٌ لأحد أفراد أسرة المصاب التي قد تُنكرُ وجودَ اضطراب الأكلِ، أو تُصبحُ غاضب ودفاعيا؛ فإذا حدث هذا فحاول أن تبقى هادئاً، ومركِّزاً، ومتحكماً في انفعالاتك ، َتذكَّر أن هذه المحادثةَ تبدُو على الأرجح مهددة للغاية لشخص يعاني من اضطراب في الأكل ولا تأخذ الأمر بصورةٍ شخصيةٍ.
أسأل لو كان الشخص لديه أسبابٌ في الرغبة في التغيير؛ حتى لو كان الشخص العزيز عليك يفتقرُ إلى الرغبة في التغيير لأنفسهم؛ فالمصابون قد يرغبون في التغيير لأسباب أخرى؛ مثل: إرضاء شخص يحبونه، والعودة إلى المدرسة أو العمل- على سبيل المثال-.
كن صبوراً، ولا تستسلم إذا كان الشخص في بداية محاولتك لا يرغب في التحدث، قد يستغرقُ الأمرُ بعضَ الوقت قبل أن يكونوا على استعدادٍ لفتح مجال الحديث، والاعتراف بوجود مشكلة، الشيء المهم هو فتح خطوط الاتصال؛ لأنهم إذا كانوا على استعدادٍ للتحدث، والاستماع دون حكم- بغضِّ النظرِ عن مدى الاتصال-، وضح لهم أنك مهتمٌ، وأنك مؤمنٌ بحالتهم، وأنك ستكون هناك بأيةِ طريقةٍ يحتاجونها؛ كلما كانوا مستعدين.
كن داعماً، وحاول الاستماع دون إصدارِ حكم على المصاب، وتأكد من أن الشخص يعرف أنك مهتم بأمره.
كن قدوةً جيدة وحسنة من خلال تناول الطعام تجنب الحديثَ عن الأنظمة الغذائية وممارسة الرياضة.
تجنب المناقشات حول الطعام أو الوزن أو الأكل أو الأداء؛ بتصريحاتٍ سلبيةٍ عن جسمك، لكن لا تخف من تناول الطعام بشكل طبيعي أمام شخص يعاني من اضطراب في الأكل؛ فهذا من الممكن أن يساعدَ في وضع مثالٍ طيبٍ على علاقة صحية مع الطعام.
ما لا يجبُ القيام به:
تجنب الإنذارات؛ إلا إذا كنت تتعاملُ مع طفلٍ قاصر. لا يمكنك إجبارُ شخصٍ ما على العلاج. ويجب أن يأتيَ قرارُ التغيير من المصاب؛ فالإنذاراتُ ما هي إلا مجردُ إضافةٍ للضغط وتعزيز المزيد من السرية والإنكار.
تجنب التعليق على المظهر أو الوزن؛ لأن الأشخاصَ الذين يُعانون من اضطرابات الأكل يركزون بالفعل وبشكلٍ مفرط على أجسادهم؛ فإذا وجَّهنا لهم بعض الإشارات على أنهم بدينون، فسيؤدي ذلك إلى انشغالهم بنحافتهم؛ ولهذا علينا أن نستثير فيهم بعض الاعتقادات؛ مثل: لماذا يخافون من السمنة؟، وماذا يعتقدون إذا أصبحوا نحافاً؟
تجنب الخجلَ وإلقاء اللوم. ابتعد عن تصريحات (أنت) الاتهامية؛ مثل: "تحتاج فقط لتناول الطعام!"، أو "أنت تؤذي نفسك بدون سببٍ"؛ فعليك إذاً أن تستخدم عبارات "أنا" بدلاً من (أنت)- على سبيل المثال-: " أنا خائفةٌ عليك عندما أسمعُك تتقي".
تجنب إعطاءَ حلولٍ بسيطةٍ؛ مثل: "كل ما عليك فعله هو تقبُّلُ نفسك". إن اضطراباتِ الأكل مشكلاتٌ معقدة؛ فلو كان الأمرُ بهذه السهولة، لما كان قريبُك يُعاني.
رسالة امعان :
لو كان لديك صديق يحادثك مثلما تحادث نفسك هل تعتقد أن علاقتكم ستكون جيدة؟ هل تعتقد أنك
ستحاول الابتعاد عنه أم التقرب منه؟
إعدادُ:
الأخصائية النفسية: هيله الدوسري وسلمى الشويمان
مراجعة فريق إمعان
المراجع :
(أولاً)- المراجع العربية:
1- جونسون، شيري ودافيسون، جيرالد وكرينغ، آن ونيلي، جونز. (2016م). علمُ النفس المرضيُّ: استناداً على الدليل التشخيصيِّ الخامس، ترجمة: أمثال الحويلة، وفاطمة عياد، وهناء شويخ، وملك الرشيد، ونادية الحمدان، ط2، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية.
2- ديفي، جراهام.(2016م).علم النفس المرضي البحث ،التقييم ، والعلاج في علم النفس الإكلينيكي،(ترجمة فيصل محمد خير الزراد ، ومحمد صبري سليط).عمان: دار الفكر.
3- الكشكي، مجدة السيد وآخرون. (2019م). دليلُ العلاج النفسيِّ للكبار، في: الزهراني، سعيد بن سعد (محرر) بالمركز الوطنيِّ لتعزيز الصحة النفسية، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية.
(ثانياً)- المراجع الأجنبية:
NIMH: Eating Disorders (nih.gov)
Therapy for Eating Disorders: Types, Efficacy, and Recovery (healthline.com)