التعاطف مع الذات
مرام الراشد
أخصائي نفسي إكلينيكي
ماهو التعاطف الذاتي؟
التعاطف بمفهومه العام هو القدرة على اظهار اللطف والتفهم والصبر والتقبل دون إطلاق أحكام تجاه نفسك عند المرور بفترات صعبة وتجارب مؤلمة. وخصوصاً عندما يمر الشخص بتجارب الفشل وما فيها من مشاعر سلبية مثل الخيبة أو الإحباط. والتعاطف ببساطة يمكن تطبيقه مع من نحبهم عندما نراهم يمرون بمواقف صعبه، ولكن قد يكون هذا الأمر تحدي مُرهق على البعض عندما يحاول التعاطف مع نفسه لاعتقاده بأن التعاطف الذاتي يدل على التساهل مع الأخطاء أو خوفاً من الوقوع في الشفقة واحتقار الذات.
وبالمقابل قدرة الفرد على تقبل نقاط الضعف والفشل كأمر طبيعي يمر به الكثير، يعتبر من أساسيات التعامل الصحي مع النفس والعديد من الأبحاث تظهر التأثير الإيجابي للتعاطف الذاتي وانعكاسه على التعاطف مع الاخرين والشعور باللحظة (اليقظة الذهنية) والرضا عن الحياة وانخفاض أعراض الاكتئاب والقلق والإجهاد النفسي.
ماالفرق بين التعاطف الذاتي والشفقة تجاه الذات؟
عندما تقول لأحدهم أرحم نفسك كن لطيفاً مع ذاتك، يتبادر الى ذهنه صورة الشفقة تجاه النفس واخطائها. لكن الأمر مختلف فمن يشعر بالشفقة ينغمس بمشكلته وينسى أن الأخرين يمرون بما يمر به من تجارب مؤلمة. ومن ينظر لنفسه بشفقه وبؤس ينفصل بتجاربه عن الأخرين ويشعر بأنه يعاني لوحده في هذا العالم. ونتيجة لذلك يتضخم الشعور الشخصي بالمعاناة. بينما على الجانب الأخر التعاطف مع الذات يسمح للفرد برؤية الجوانب المشتركة بين معاناته وتجارب الأخرين ومعاناتهم دون الإحساس بالعزلة عن العالم. ويصعب على الأشخاص الذين لديهم شعور بالشفقة أن يتبنوا وجهات نظر اخرى لمشاكلهم لأنهم نادراً ما يتمكنون من الرؤية من خلال عدسة متوازنة وموضوعية بسبب كمية المشاعر الكثيفة التي يمر بها الشخص. وعلى عكس ذلك، الأشخاص الذين يستطيعون التعاطف مع أنفسهم تصبح نظرتهم أشمل وينظرون الى الصورة الكبيرة للإحداث والتجارب كأمر يعيشه الكثير ممن حولهم، عندها يكسب الشخص "بُعد ذهني" مختلف ومساحة بين الحدث والذات.
من أوائل الأشخاص الذين قاموا بتفسير مفهوم التعاطف الذاتي ودراسته هي الباحثة Kristine Neff من جامعة Texas وتقترح من خلال أبحاثها أن هنالك 3 عناصر للتعاطف مع الذات:
اللطف مع الذات عند التجارب المؤلمة وعدم إطلاق الأحكام القاسية على النفس عند الفشل وذلك يظهر عن طريق الحديث الذاتي الخالي من انتقاد الذات السلبي وجلد الذات.
استيعاب انسانيتك وأن شعورك بالألم ليس إلا دليلا على ذلك وهو جزء طبيعي من عدم الكمال وأن هذه التجارب لا تمر بها لوحدك فهنالك العديد ممن لديه تجارب مشابهة.
الوعي المتوازن والنظرة الواقعية تجاه الأحداث المؤلمة دون تجاهلها بسبب الألم أو تضخيم الخطأ عن صورته الحقيقية وعدم تفسير عواقب الفشل وربطها بنتائج كارثيه.
مثال:
بدلاً من قول (أنا أخطأت ودائماً سوف أخطئ لأنني استحق ذلك ولا أتعلم من أخطائي)
البديل:
(أنا أخطأت في التعامل مع هذا الموقف ولم أتخذ القرار الصائب وهذا الخطأ قد يقع فيه الكثير ولكن ما يمكنني فعله حيال هذه المشكلة هو أن أعتذر أو أحاول اصلاح الخطأ).
خطوتين لتصل للتعاطف الذاتي..
لا يمكن إنكار الراحة التي يحصل عليها الانسان بعد أن يستطيع ان يمتص الم الفشل ويفهمه ويتعاطف مع ذاته ويزيد وعيه بنفسه. عادة يتساءل من يُعاني من جلد الذات “لماذا لا أستطيع أن أتعاطف مع نفسي؟”.
التعاطف الذاتي ليست مشاعر بالشفقة ولا أن تتقمص دور الضحية؛ التعاطف مع الذات هو الفهم العميق بمشاعرك ومشاعر الأخرين في موقف معين.
والسؤال الأهم هو “كيف يمكن للأشخاص أن يكتسبوا القدرة على التعاطف تجاه أنفسهم؟" قبل الإجابة يجب التوضيح أن هناك فرق بين الشعور بتأنيب الضمير بعد تصرف خاطئ وهو شيء مهم للتعلم. وبين استمرار هذه المشاعر السلبية لعدة ايّام وسنين ليصبح الأمر حينها أشبه بالعذاب.
ويتطلب الأمر عملية من خطوتين:
الخطوة الأولى: فهم المشاعر التي قادت للسلوك، اسأل نفسك كيف كان شعورك قبل أن تُقْدِم على هذا الخطأ؟
مثال / زوجة كانت توبّخ نفسها كثيراً لأنها لا تستطيع احتمال زوجها وتنزعج منه وتعتقد بأنها إنسانه سيئة لأن إحساسها سلبي تجاه شخص من المفترض أنها تحبه..
وفي هذه الحالة السؤال يكون: “لماذا تشعر الزوجة بالانزعاج والغضب تجاه زوجها؟”
وعند حديثها تبين أنهُ نادراً ما يُنصت إليها وتفتقد لأحاديثهم، ومع الوقت تلاشى القرب الذي اعتادت عليه في علاقتهم. وهذا جعل لتوترها مغزى ومعنى لأنها كانت تشعر بالوحدة والإهمال.
الخطوة الثانية: هي التفسير عادة حين يشعر الشخص بأنه عالق ولا يستطيع تخطي أمر ما، يَكُون بسبب تجربه سابقة مشابهة في الصغر.
وفي حالة الزوجة يكون التفسير هو علاقتها بوالدها الذي كانت تواجه معه صعوبات مشابهة بالقرب العاطفي. وعند تكرار السيناريو مع زوجها شَعرَتْ أن الأمر بمثابة فتح جرح قديم.
بعد أن سنحت لنفسها بالتعاطف مع إحساسها تجاه ألم الماضي والوحدة في الحاضر، شعرت بالارتياح. لأن الغضب تجاه زوجها تبدد والآن بعد أن فهمت ما تمر به صار باستطاعتها بناء فهم جديد وتعبير واضح لمشاعرها تجاه زوجها وهذا ما فعلته فتحسنت العلاقة.
يساعد التعاطف الذاتي الشخص بالاقتراب أكثر من الأدوار التي يميل اليها في علاقاته وإلى الإحساس بالصدق مع الذات. لماذا يحدث هذا الأمر؟ ببساطة عندما تعامل نفسك بلطف وتفهم ما تمر به من معاناة دون إطلاق الاحكام السيئة على نفسك فأنت بذلك تخفف القلق والخوف من التعرض للرفض الاجتماعي ولا يهمك ذلك حينها فتنساب بشكل أكبر تجاه نفسك وما يلائمها "الأصالة والصدق مع الذات".
إذا كان يصعب عليك تحقيق ما سبق اسال نفسك عدة اسئلة:
هل انا اعامل نفسي بلطف وتفهم عندما اعاني من المصاعب؟
هل انا مستوعب لحقيقة أن الفشل والوقوع في الخطأ هي تجارب يمر بها الكثير من الأشخاص؟
هل مشاعري السلبية من تأنيب ضمير أو حزن وقلق هي ضمن حدود المعقول؟
اذا لم تستطع الإجابة على الأسئلة السابقة لديك خيار اخر وهو أمر عادة ما يفعله المعالج النفسي مع مراجعيه:
حاول أن تكتب رسالة إلى نفسك ولكن من منظور شخص أخر تخيل أن هنالك شخص يحبك أو صديق مقرب قد كتب اليك هذه الرسالة. العديد منا يستطيع أن يقدم أجمل العبارات لمن نحبهم ولكن تمنعنا أحيانا دفاعاتنا النفسية وجلد الذات من تقديم عبارات الدعم والتعاطف لأنفسنا.
الخلاصة هنا أن التعاطف مع الذات يتطلب في البداية فهمك لمشاعرك وثانياً استيعاب تجاربك السابقة والمؤلمة وتأثيرها عليك الان دون إطلاق أحكام سلبية. عندما يتعاطف الإنسان مع نفسه بكل ما فيها من سلبيات وإيجابيات فإنه يسمح لنفسه أن يكون حاضراً باللحظة الحالية فيبتعد عن الشعور بالوحدة والعزلة عن العالم وبالتالي يتعامل مع الاحداث بوعي وحكمة.
رسالة من إمعان
حتى وأن تعثرت قدماك لا تجعل التجارب المؤلمة والاخطاء حاجزاً يمنعك من رؤية حقيقة نفسك وحقيقة الأمور من حولك. وكما تعطي لهذه التجارب قدر واهتمام لا تجعلها هي العنوان الوحيد لحياتك فأنت لديك جوانب أخرى وتجارب أخرى تستحق أن تحتفي بها وتقدرها.
https://hbr.org/2018/09/give-yourself-a-break-the-power-of-self-compassion